الآن سأكتب عن أغلى الرجال وأجلّ الناس وأفضل البشر وأزكى العالمين، مرجعي في ذلك دفتر الحب المحفوظ في قلبي، ومصدري في ذلك ديوان الإعجاب المخطوط في ذاكرتي، فكأنني أكتب بأعصاب جسمي وشرايين قلبي، وكأن مدادي دمي ودموعي:
إن كان أحببت بعد الله مثله في
بدو وحضر ومن عرب ومن عجم
فلا اشتفى ناظري من منظر حسن
ولا تفوّه بالقول السديد فمي
**
زمانك بستان وعهدك أخضر
وذكراك عصفور من القلب ينقر
وكنت فكانت في الحقول سنابل
وكانت عصافير وكان صنوبر
لمست أمانينا فصارت جداولا
وأمطرتنا حبا ولا زلت تمطر
تعاودني ذكراك كلّ عشيّة
ويورق فكري حين فيك أفكّر
وتأبى جراحي أن تضمّ شفاهها
كأن جرح الحب لا يتخثر
أحبّك لا تفسير عندي لصبوتي
أفسّر ماذا والهوى لا يُفسّر
تأخرت يا أعلى الرجال فليلنا
طويل وأضواء القناديل تسهر
**
قصة النبوة
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك تراه
اسمه:
محمد صلى الله عليه وسلم، اسم على مسمّى، علم على رمز، ووصف على إمام، جمع المحامد، وحاز المكارم، واستولى على القيم، وتفرّد بالمثل، وتميّز بالريادة، محمود عند الله لأنه رسوله المعصوم، ونبيّه الخاتم، وعبده الصالح، وصفوته من خلقه، وخليله من أهل الأرض، ومحمود عند الناس لأنه قريب من القلوب، حبيب الى النفوس، رحمة مهداة، ونعمة مسداة، مبارك أينما كان، محفوف بالعناية أينما وجد، محاط بالتقدير أينما حلّ وارتحل، حمدت طبائعه لأنها هذّبت بالوحي، وشرفت طباعه لأنها صقلت بالنبوة، فالله محمود ورسوله محمد:
وشقّ له من اسمه ليجلّه
فذو العرش محمود وهذا محمّد
واسمه أحمد، بشّر بذلك عيسى قومه، واسمه العاقب والحاشر والماحي، وهو خاتم الرسل وخيرة الأنبياء، وخطيبهم إذا وفدوا، وإمامهم إذا وردوا.
صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، حامل لواء العزّ في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبدمناف بن قصي، أشرف من ذُكر في الفؤاد، وصفوة الحواضر والبوادي، وأجلّ مصلح وهاد، جليل القدر، مشروح الصدر، مرفوع الذكر، رشيد الأمر، القائم بالشكر، المحفوظ بالنصر، البريء من الوزر، المبارك في كل عصر، المعروف في كل مصر، في همة الدهر، وجود البحر، وسخاء القطر، صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، ما نجمٌ بدا، وطائر شدا، ونسيم غدا، ومسافر حدا.
واما نسبه:
فالرسول صلى الله عليه وسلم خيار من خيار، الى نسبه يعود كل مخار، وهو من نكاح لا من سفاح، آباؤه سادات الناس، وأجداده رؤوس القبائل، جمعوا المكارم كابرا عن كابر، واستولى على معالي الأمور، فلن تجد في صفة عبدالمطلب أجلّ منه، ولا في قرن هاشم أنبل منه، ولا في أتراب عبدمناف اكرم منه، ولا في رعيل قصيّ أعلى كعبا منه، وهكذا دواليك.. حتى ىدم عليه السلام، فهو صلى الله عليه وسلم سيد من سيد يروي المكارم أبا عن جد:
نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى
نورا ومن فلق الصباح عمودا
والآن اودعكم على أمل اللقاء بكم في مشاركه آخرى من سلسلة
محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه